غاب المشروع فهانت الامة /افتتاحية حزب الصواب

اثنين, 17/08/2020 - 08:32

الايمان بعدالة قضايانا ومنها ارض فلسطين السليبة وتجذرها في وعي الامة وإحساس أجيالها الممض وهي تئن طيلة قرن تحت القهر  وغول الاستهداف الناجم عن عظمة رسالتها  وحجم ثرواتها التي تنفتح الاطماع لها باتساع ضعف همة الحكام وضمور الإحساس لديهم بخطورة السياقات التاريخية الحرجة، وما تستدعيه احيانا من تضحيات يرتفع سقفها الى حد التضحية بالنفس والمال والولد. 
ذلك ما اكدت عليه الأحداث المطرد منذ ان تمكنت الحركة الصهيونية في الظروف التاريخية المعروفة من إعلان الدولة العبرية على أجزاء من ارضنا العربية المقدسة، وما استدعاه نزال وجودي لا يزال مستمرا من تضحيات،  بدءا بالنكبة 1948 ورفض تقسيم وشَرذَمة فلسطين بالحاق الضفة بإمارة الاْردن و قطاع غزة بالإدارة المصرية، وما تلا ذلك الرفض الشعبي والرسمي من حروب الاستنزاف والعدوان ضد مصر بدعم بريطاني للقضاء على الثورة وتأمين تدفق نفط الخليج العربي وخنق المد القومي ومنعه من الوصول لجزيرة العرب ، ودعم فرنسي آخر لحل مشكلة فرنسا الاستعمارية مع الثورة الجزائرية من خلال مساهمتها في ضرب الثورة الناصرية، وما وفرت الدولتان بالتعاون مع امريكا لوقوع النكسة 1967 وبسط الصهاينة نفوذهم  على ارض فلسطين التاريخية من النهر الى البحر  و احتلال هضبة الجولان  وشبه جزيرة سيناء ، والرد الاستراتيجي العربي عليه في حرب أكتوبر 1973 والصولة السريعة التي سعى الكيان الصهيوني للنهوض من كبوتها بفتح  جبهة عربية جديدة واجتاح بيروت 1982 ونفذ المجازر الجماعية وتمكن من اخراج المقاومة بعد اغتيال رموزها : كمال ناصر، كمال عدوان، يوسف النجار، غسان كنفاني بالموازاة  مع تدمير المفاعل النووي العراقي بضواحي بغداد في تموز من السنة نفسها، ليأتيه  الرد المزلزل من داخل الاراضي المحتلة بانتفاضة الحجارة 1987 واستعادة النضال الفلسطيني في اقل من سنة القه الثوري  وتاكيد استحالة عزله عن افقه القومي وتعزيز الرفض الجماعي لكل أشكال التطبيع مع الظاهرة الصهيونية واحباط محاولات تعميم النموذج الساداتي ومسار كامديفد الاستسلامي ... وهو ما ظل التعبير الشعبي عنه بدرجة من الوضوح والديمومة والاتساع يتعذر حصره،  ومن  أمثلته الكثيرة ما عبر عنه الموريتانييون في إجماعهم الجسور على رفض العلاقة المشينة التي  اقامها نظام يترنح ويستجدي التعاطف ووهم الأمان من معاقبة شعبه،  وما عبر عنه الوجدان العربي في يقظته وابتهاجه الجماعي العارم بالضربات الصاروخية للجيش العراقي داخل عمق الاراضي الفلسطينية في شتاء 1991، وما عبرت عنه موجات الهبات الشعبية والتضامن العفوي الكاسح مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000 /2005) وقوافل شهدائها الواقفين  : ابو علي مصطفى، عبد العزيز الرنتيسي،  احمد ياسين، وما عبرت عنه الحفاوة المتدفقة الى يومنا بكلمات الشهيد صدام حسين عن فلسطين ثوان قليل قبل صعوده الأسطوري لمنصة الاستشهاد، وما عبرت عنه العيون الشاخصة من انجاكو حتى البحرين نحو مباني المقاطعة بمدينة رام الله حيث رابط الشهيد ياسر عرفات ثلاث سنوات في وجه القصف والحصار  البربريين،  وعبر عنه ما قوبلت به الهزيمة المدوية لدبابات الميكارفا  في معاركها مع المقاومة اللبنانية في تموز 2006، من فرح  وتعاطف شعبي عارم. 
كل ذلك يمثل نماذج قليلة من سفر حافل بالتضحيات وشلال دماء الشهادة، والعمل الفدائي طيلة قرن من المطاولة  والصمود،  يستحيل ان يؤول الى عدم وان يقبل أصحابه ان تزُل قدم بعض حكامنا الى الدرك الأسفل من الهزيمة والاستسلام ويروجّ لفتح عواصمه لراية الغصب والقتل والدمار والابادة الصهيونية، متجاهلا  موقف الحد الأدنى مما استقر عليه النظام الرسمي العربي وأطلال إجماع بائس أقامه على منطق العجز والتخاذل والتبرير والتخلص التدريجي من كل ثقل اخلاقي او مبدئي مهما خف أوضاقت مساحته.
أن خطوة التطبيع الاخيرة تنطلق مِن املاءات صفقة القرن سيئة الصيت، وفرضية ان العرب جاهزون للاستسلام بعد ان استنزفتهم (الفوضى الخلاقة) واطماع القوى الإقليمية المجاورة لهم، وهو ما يتطلب الرد الفاعل عليه من مختلف قوى الامة الحية ابتكار أساليب شعبية غير تقليدية لبناء مشروع جامع يواجه مشاريع الاستسلام وسير القطيع امام  الجزار، ويعيد الروح والضمائر الى الامة لخوض معركتها بفطرتها السليمة المفارقة للعمالة وخدمة العدو،  والبعيدة من  القابلية للاستعمار والانكسار  والانكشاف.

تصفح أيضا...